وَقَفْتُمْ بَيْنَ مَوْتٍ أَو حَياةٍ
فَإنْ رُمْتُم نَعيمَ الدَّهْرِ فَاشْقوا
ولِلأَوْطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ
يَدٌ سَلَفَتْ وَدَيْنٌ مُسْتَحَقُّ
وَلِلْحُرِّيَةِ الْحَمْراءِ بابٌ
بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
أحمد شوقي
ـــــــــ
ـ1ـ
سَمِعْتُكَ شَوْقي.. وَرَبِّ السَّماءْ
فَهِمْتُ الْمُرادَ.. حَفِظْتُ النِّداءْ
وَرُحْتُ أَدُقُّ
أَدُقُّ
أَدُقُّ
وَما مِنْ مُجيبْ..!!
فَكَلَّتْ يَدايَ
وَخارَتْ قِوايَ
وَصِرْتُ أَهيمُ بِأَرْضي غَريبْ
أَرى الأُمَّ ثَكْلَى،
أَرَى الْحُزْنَ فَوْقَ وُجوهِ الْيَتامَى
وَشَعْبي يَسيرُ كَجَدْيٍ صَغيرٍ
يَقودُهُ راعٍ بِطَرْفِ قَضيبْ.
ـ2ـ
سَمِعْتُكَ شَوقي.. وَمِثْلي الْمِئاتُ
وَمِثْلي الأُلوفُ.. وَمِثْلي الشُّعوبْ،
فَثُرْنا عَلَى الْجَهْلِ،
دُسْنا أُنوفَ الْفَوارِقِ،
حَطَّمْنا قَيْدَ الْعُيوبْ.
مَشَيْنا عَلَى الْماءِ مَشْيَ الْمَسيحِ،
وَكُنَّا نُؤَذِّنُ عِنْدَ الْغُروبْ.
حَمَلْنا السُّيوفَ،
الْتَقَيْنا الخُطُوبَ، وَخُضْنا الْحُروبْ.
صَمَدنا كَسَدٍّ بِوَجْهِ السُّيُولِ،
وَفَأْرُهُ ماتَ وَما مِنْ ثُقوبْ!!
فَيا لَيْتَنا لَمْ نُدارِ عُيُوبا
وَيا لَيْتَنا لَمْ نُداوِ ثُقوبا
وَيا لَيْتَنا لَمْ نُكَوِّنْ شُعوبا
وَشَيْخُ الْعَشيرَةِ يَحْكُمُ أَرْضي
وَمِنْ مِنْخَرَيْهِ تَسيلُ الذُّنوبْ!!
فَقُمْ ناجِ جِلَّقَ..
قُمْ ناجِ قُدْسَنا..
قُمْ ناجِ جُولانَنا والْجَنوبْ.
ـ3ـ
هَجَرْتُ بِلادي وَقَرْعُ الطُّبولِ
يُثيرُ اهْتِياجي بِلَيْلَةِ عُرْسي
فَما عُدْتُ أَدْري..
أَجاءَ نَهاري
أَمِ انْقَضى لَيلي وَهَرْوَلَ أَمْسي
وَمَجْرَى الدُّموعِ تَخالُهُ جُرْحاً
غَزَتْهُ دِماءٌ.. غَزاها التَّأَسِّي
فَأَحْسَسْتُ شَوْقي، وَأَنْتَ بَعيدٌ،
بِأَنَّكَ مِنِّيَ تَسْرُقُ حِسِّي،
لِتَنْقُشَ فَوْقَ الرُّخامِ بُيوتاً
سَيَزْدَهي فيها رُفاتي وَرَمْسي..
فَطُفْتُ أُرَدِّدُ شِعْراً عَظيماً:
أَيا وَطَناً زَيَّنَتْكَ زُهوري
وَكانَتْ سُهولُكَ مَلْعَبَ شَمْسي
أَنْتَ الَّذي.. كُلُّ مَجْدٍ أَتَيتُهُ.. مِنْهُ
أنْتَ الَّذي.."لَو شُغِلْتُ بِالْخُلْدِ عَنْهُ
نازَعَتْني إلَيْهِ في الْخُلْدِ نَفْسي".
ـ4ـ
اَيا صَوْتاً يُجَسِّدُ صَوْتَ مَنْ غابوا
أَيا حَرْفاً يُفاخِرُ فيهِ أَعرابُ
أَيا قَلْباً بِصَدْرِ الشَّرْقِ
هَلْ أَوْدَعْتُكَ سِرِّي؟!..:
رَأَيْتُ الْكِذْبَ شَيْطاناً
يُهَدِّدُ جَنَّةَ الشِّعْرِ
وكُتَّاباً أَناخوا الضَّادَ كَيْ يَرْكَبْها أَغْرابُ
بِرَبِّكَ قُل لي يا شَوْقي:
أَلِلآدابِ أَذْنابُ ؟!!
ـ5ـ
أَميرٌ..
وَهَلْ غَيْرُكَ مِنْ أَميرْ؟!
وَزَحْلَةُ تَذْكُرُ زَيْنَ الشَّبابِ
يَجيءُ إِلَيْها كَطِفْلٍ صَغيرْ
يُداعِبُ وَجْهَها،
يَنْثُرُ شَعْرَها،
يَسْكُبُ فَوقَ أَصابِعِ رِجْلَيْها ماءَ الْغَديرْ
وَيَرْحَلُ عَنْها.. وَفي الْعَيْنِ دَمْعٌ
وَفي الْقَلْبِ شَوْقٌ..
وَحُبٌ كَبيرْ.
ـ6ـ
أَميرٌ..
وَهَلْ غَيْرُكَ مِنْ أَميرْ؟!
وَأَنْتَ بَنَيْتَ لِسُلْطانِ باشا
قُصوراً مِنَ الشِّعْرِ،
فيها التَّواضُعُ ، فيها النِّضالُ،
وَفيها الضَّميرْ..
وَثَوْرَةُ شَعْبٍ أَرادَ الْحياةَ
فَأَعْطى الدِّماءَ وَضَحَّى الْكَثيرْ.
ـ7ـ
مِصْرُ الْبُطولَةِ.. تِلْكَ الحَبيبَةُ
مَنْ مِنْ بَنيها وَلَمْ يَمْتَلِكْ
مَجْداً..
يُضاهي النُّجومَ سُطوعاً بِلَيْلٍ حَلِكْ؟
وَحَسْبُكَ شَوْقي.. بِأَنَّكَ أَنْتَ
غَزَلْتَ لَها الْمَجْدَ في مِغْزَلِكْ
فَمَهْما كَبُرْنا بِرَوْضِ الْقَوافي
نَظَلُّ نَحِنُّ إلى مَشْتَلِكْ
وَتَبْقَى الْحُروفُ تَجيءُ إِلَيْكَ
لِتَنْهَلَ ماءَها مِنْ مَنْهَلِكْ
وَكُلُّ القُلوبِ تَعوفُ الصُّدورَ
لِتَسْكُنَ يَوْماً حِمَى مَنْزِلِكْ
فَكَيْفَ ارْتَضَيْتَ بِلَقْبِ أَميرٍ
وَشَعْبُكَ يَهْتِفُ: "عاشَ الْمَلِكْ"؟!!
**