كيف أينعت السنابل؟

ـ1ـ
لا تَسَلْنِي يا حَبيبـي،
كَيفَ أَيْنَعَتِ السَّنابِلْ؟!
رَغْمَ رَحيلِ الشَّمسِ عَنْ أَرْضي،
وَأنَّاتِ البَلابِلْ..
رَغْمَ الْحَرائقِ والتَّشرُّدِ،
رَغْمَ صَيْحاتِ الأَرامِلْ..
فَبِلادي، يا حبيبـي ، لَمْ تَعُدْ رَفَّ حَمامٍ
يَنْقُرُ الضَّوءَ تِباعاً
كَي يَصيرَ الضَّوْءُ سائِلْ..
يَسْقي الْحُقولَ وَالتِّلالَ الخُضْرَ،
يَجْري في شَرايينِ الْجَداوِلْ..
فَبِلادي، يا حَبيبـي،
أسرَتْها زُمرَةٌ
لا فَرْقَ عِنْدَها بَيْنَ مَقْتُولٍ وَقَاتِلْ
سَرَقَتْها..
سَرَقَتْ خاتَمَ إِصْبَعِها وَصَبَّتْهُ سَلاسِلْ
وَدَعَتْ أَطْفالَها السُّمْرَ
إلى التَّحْقيقِ في كُلِّ الْوَسَائِلْ..
عَذَّبَتْهُمْ..
عَلَّقَتْهُمْ فَوْقَ أَعْوَادِ الْمَشَانِقِ
خَوْفُها..
أن تَسْتَحيلَ الأَيْدي أقْلاماً وَبارودَ قَنابِلْ..
خَوْفُها..
أَنَّ الرَّضيعَ في بِلادي يَعْرِفُ كَيْفَ يُقاتِلْ!
ـ2ـ
أَوْقَفُوني، ذَاتَ يَوْمٍ،
عِنْدَ أَبْوابِ الْمَدِينَهْ
سَأَلُوني: ما اسْمُكِ؟
قُلْتُ: تَمِينَهْ
فَأَدَارُوا وَجْهَهُم عَنِّي وَقَالوا:
عُودِي مِنْ حَيْثُ أتَيْتِ..
فَصَرَخْتُ مِلْءَ صَوْتِي:
أُتْرُكوني..
اُتْرُكوني..
فَهُنَاكَ خَلْفَ أَسْوَارِ الضَّغِينَه
وَالْحِكاياتِ اللَّعِينَه
لِيَ بَيْتٌ.. فَدَعُوني
إنَّ مِنْ حَقِّيَ أَنْ أَسْكُنَ بَيْتِي!!
ـ3ـ
كَمْ أَنا مُشْتاقَةٌ لِلزَّهْرِ يَنْمُو في الْحَديقَه،
لِلْكَرْمِ..
لِلْعُنْقُودِ فَوْقَ الدَّالِيَه
لِدَجَاجَاتي وَقِنِّي،
وَإِناءِ الزَّيْتِ قُرْبَ الْخَابِيَه،
لِجِرارِ النَّحْلِ فَوْقَ الْمَزْهَرِيَّاتِ الْعَتيقَه..
كَمْ أنا مُشْتاقَةٌ بَعْدَ الْفِرارِ وَالرَّحيلِ
لِشِفاهٍ مِنْ بِلادي،
تُخْبِرُ الأَجْيَالَ ما مَعْنَى الْحَقِيقَه..
صَرْحُنا انْهارَ..
وَحُوتُ الْكِذْبِ في أَجْوافِنا
ما زالَ يَبْتَلِعُ الْحَقِيقَه.
ـ4ـ
أَرْضَعُوني ـ كُلُّهُمْ ـ سُمَّ الْكَلامْ..
أَرْضَعُوني الْكِذْبَ أَعْواماً تَجُرُّ خَلْفَها أَعْوامْ
فَعَضَضْتُ حَلْمَةَ الثَّدْيِ الَّذي وَسَّخَهُ الجِنْسُ
بِلَيْلاتِ الْغَرامْ.
صَرَخوا..
خِلْتُ الصُّراخَ بَدَّدَ عَهْدَ الظَّلامْ
وَاشْرَأبُّوا، دونَ وَعْيٍ، يُزْهِقُونَ الرُّوحَ فِيَّ
بِالْحَلالِ وَبِالْحَرامْ..
أمْسَكُوني..
ضَرَبوني..
فَكَّكُوا كُلَّ العِظامْ
وَرَمَوْني، يا حَبيبـي، بَيْنَ أَحْضَانِ السَّقامْ
ثُمَّ قَالوا، وَالْكَلامُ عِنْدَنا مِنْ طِينَةِ الحُكَّامْ:
"إبْنَةٌ كَسْلَى.. جَريئَه
سَوَّدَتْ وَجْهَ اليَتامَى
قَدْ حَسِبْناها بَريئَه
فَوَهَبْناها السَّلامَه
هذه البنتُ الدَّنيئَه
أكَلَتْ ثَدْيَ الزَّعامَه.."
ـ5ـ
..إِنَّ الَّذِي صَارَ وما سَوْفَ يَصِيرْ
خِطَّةٌ مَدْروسَةٌ هَنْدَسَها عَقْلٌ كَبيرْ
أَشْرَكَ فِيها الْيَهودَ وَشَرْقَنا الْعَرَبِيَّ كُلَّه
وَسَخَّرَ ، لِنَجاحِها ، التِّلْفَازَ وَالْجَرائِدَ
وَكُلَّ مِنْ يَكْتُبُ حَرْفاً في مَجَلَّه..
لكنَّني ما زِلْتُ لا أَدْرِي:
لِمَاذا شَوَّهوا الطِّفْلَ الصَّغيرْ؟
وَلِمَاذا شَرَّدُوني، يا حبيبـي،
دُونَ عَوْنٍ أو مُجيرْ؟
وَلِماذا أَيْبَسوا الأَزْهارَ وَالأَشْجارَ
ثُمَّ صادَروا ماءَ الغَديرْ؟
وَلِماذا قَتَلوا في ساحَةِ الأَرْقامِ
مَلْيُونَ شَهيدْ؟!
كُلُّ هذا كيْ يَصيرَ الْمَوْتُ دَوْلَه
تَرْتَمِي، كَالْعارِ ، في حِضْنِ أَمِيرْ؟!!
عَيْبٌ عَلَيْكُمْ ـ سادَتي ـ
أَنْ تَخْلُقوا مِنْ رَحْمِ طِفْلَه
قصراً..
وَجَيشاً مِنْ عَبيدْ
وَنِساءً لِلسَّريرْ!!..
ـ6ـ
شَعْبُنا.. شَاؤوا لَهُ أن يَتَعَذَّبْ!!
وَأَنْ يَتُوهَ في بِقَاعِ الأَرْضِ مَنْبُوذاً مُغَرَّبْ!!
أَوْ أَنْ يَموتَ وَاقِفاً،
أَوْ جَالِساً،
أَوْ نائِماً عَلى خَشَبْ!!
لَيتَني أَدْري، وَلَوْ بِالحُلْم، مَنْ كانَ السَّبَبْ؟
لأَجْمَعَ اللَّعَناتِ والدُّموعَ والآهاتِ
في قَماقِمِ العَجَبْ..
وَأَشْتَري لِكُلِّ مَنْ قالَ أَنا بَرِيءٌ
خِنْجَراً مِنَ الغَضَبْ
وَسُيوفاً مِنْ لَهَبْ
لَيْتَني أَدْري، وَلَوْ بِالْحُلْمِ، مَنْ كانَ السَّبَبْ؟
لأُضْرِمَ النَّارَ بِهِمْ..
فَكُلُّهُمْ، بَعْدَ الَّذي صارَ، حَطَبْ!!
ـ7ـ
تَأْخُذُني الذِّكْرَى إلى دُنْيا حَبيبَه
يَوْمَ كُنتُ أَزْرَعُ السَّاحاتِ أَلْعاباً
وَأشْياءَ عَجيبَه..
وَأَلُمُّ الزَّهْرَ في عيدِ الأُمُومَه..
أَيْنَ أُمّي؟؟!
صَلَبُوها..
هَلْ أَضاعَ الْخالِقُ الْعَالي صَليبَه؟!!
هُوَ عِنْدي، لا تَخَفْ،
خَبَّأتُهُ خَلْفَ الزَّريبَه
حَيْثُ قَبْرُ الْوَالِدِ الفَلاَّحِ
إِبْنِ الشَّمْسِ وَالأَرْضِ الْخَصيبَه..
لا تَلُمْني، يا حبيبـي ، إِنْ أَنا قُلْتُ،
بِأَنَّ الأَرْضَ وَالشَّعبَ وَأَبْوابَ الْعُبورِ
كُلَّها صَارَت غَريبَه..
بَعْدَ أَنْ أَضْحَتْ بِلادي،
رَغْمَ إِيماني،
.. سَلِيبَه!!
ـ8ـ
خَبِّئينـي يا بِلادي تَحْتَ شالِكْ
وَاسْكُبينـي ضَوْءَ شَمْسْ
كَيْ أَشِيلَ اللَّيْلَ مِنْ قَلْبِ رِجَالِكْ
وَأُقِيمَ، كُلَّ يَوْمٍ، حَفْلَةً
فَوْقَ الْحَوَاجِزِ وَالْمَعَابِرْ
وَأَمَامَ كُلِّ حَبْسْ
وَعَلَى وَجْهِ الطُّفولَه
أَرْسُمُ الْحُلْمَ الْمُسافِرْ
وَرْدَةَ حُبٍّ خَجُولَه
وَأَناشِيدَ وَهَيْصاتٍ وعُرْسْ.
ـ9ـ
غَمَرتْني هَبَّةُ الرِّيحِ وَذَرَّتْني رِمَالْ
في عُيُونِ الإِحْتِلالْ
أَفْزَعَتْهُمْ بِرِمالي
هَبَّةُ الرِّيحِ الَّتِي لا تَهْضِمُ ثِقْلَ اللَّيالي..
عَمَّمُوا إِسْمي وَلَوْني
وَعَناوينَ خِصَالي:
"هذِهِ الْبِنْتُ تَمينَه
بُؤْرَةُ شَرٍّ.. وَتَحْريضٌ لِسُكَّانِ الْمَدينَه
ضِمْنَ عيْنَيْها سُؤَالْ
وَأَنينٌ وَصُمودٌ وَابْتِهالْ
وَلَها عَزْمُ الرِّجالْ..
هذِهِ الْبِنْتُ تَمينَه:
"...."
صَفِّدوها،
كَبِّلوها بِالْحِبالْ
وَادْفُنوها في قُبورِ "الإعْتِقالْ"..
ـ10ـ
.. هذهِ البنتُ تَمينَه،
يَتَّموها، شَرَّدوها ، يا حبيبـي،
وَرَمَوْها في الْحِكاياتِ اللَّعينَه
بَيْتُها اللَّيْلُ وَأَوْهامُ السَّكينَه
قُوتُها.. خُبْزٌ وَتِينٌ
"حَمَّروا الصُّلْبَانَ
كَيْ تُطْعِمَها خُبْزاً وَتِينَا!"
.. هذِهِ الْبِنْتُ تَمينَه،
لَمْ تَعُدْ أُنْشُودَةَ حُبٍّ حَنُونَه..
أَصْبَحَتْ رَمْزَ التَّشَرُّدِ وَالتَّذابُحِ والضَّغينَه
أَصْبَحَتْ صَوْتَ الشُّعوبِ
ضِدَّ أَذْنابِ العُفونَه
أَصْبَحَتْ، مَنْ حَيْثُ لا تَدْرِي، نِسَاءً..
وَرِجالاً.. وَعُيُونَا
أَصْبَحَتْ، مِنْ حَيْثُ لا تَدْرِي.. مَدينَه.
ـ11ـ
خُذْني إِلَيْكَ يا حبيبـي،
قَبْلَ أَنْ يَأْتيْ الْمَطَرْ
عُمْرِي اضْمَحَلَّ وَتَلاشى خَلْفَ أيَّامِ السَّفَرْ
خُذْنِي إِلَيْكَ..
كَيْ أَكُونَ السَّيْفَ فِي وَجْهِ الْخَطَرْ
إِنِّي يَئِسْتُ منْ هُتافاتِ السُّكوتِ
وَمِنْ دَناءاتِ الْبَشَرْ..
فَافْتَحْ يَدَيْكَ وَضُمَّني
فَرَحيلُكَ كانَ قَدَرْ
وَعَذابِي حَوَّلَني قَدَرْ..
فَكَتبْتُ فَوقَ الصَّخْرِ،
فَوْقَ الرَّمْلِ،
فَوْقَ أَوْراقِ الشَّجَرْ
إِنَّ الْقُبورَ وَحْدَها، في عَصْرِنا الْمَنْكودِ،
تَعرِفُ كَيْفَ تحْتَضِنُ الكِبَرْ.
ـ12ـ
دَوَائِرُ التَّجَسُّسِ تَنْتَشِرُ كَما الْهَواءْ
في مَسَامِ الأَرْضِ،
في تَنَفُّسِ الْمِياهِ،
وَاحْتِراقِ الضَّوْءِ في الْفَضاءْ
سَمَكُ الْبَحْرِ عَميلْ
طائِرُ الْجَوِّ عَميلْ
حتَّى النُّجومُ في السَّماءْ
آذانُها مَسنُونَةٌ.. كآلَةِ التَّسْجيلْ
تَسْتَلْهِمُ الْغَيْبَ وَتَجْنِي الْمُسْتَحيلْ
كَيْ تَنْسُجَ مِنْ عالَمِ الأَوْهامِ أَكْفانَ قَتيلْ.
ـ13ـ
قَسَماً..
بِأَحْرُفِ القُرآنِ وَالإنْجيلْ
لَنْ أَموتَ قَبْلَ أَنْ أَفْضَحَ مَلْيونَ عَميلْ
وَزَّعوا شَعْبِي غَنائِمْ..
قَسَماً بالأَرْزِ
وَالثَّلْجِ
وَأَوْراقِ النَّخيلْ
لَنْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَحْمِلَ جُرْحي وَأُقَاوِمْ
حَتَّى، عَنْ أَرْضِ بِلادي،
يَرْحَلَ الْغازي الدَّخيلْ
وَتَعودَ، يا حبيبـي، بَعْدَ غَيْبَتِها الْحَمائِمْ
كُلُّ السَّاحاتِ تَأَهَّبَتْ
لِهُبوطِ أسْرابِ الْحَمائِمْ.
**