عرسنا استقلال

ـ1ـ
في زَمَنٍ..
كُتَّابُهُ أَنْصَافُ أَغْبِياءْ
يُعَيِّرونَ بَعْضَهُمْ
ويَحْسُدونَ بَعْضَهُمْ
وَيَحْسِبونَ الشِّعْرَ "دُونْ كِيشوتَ" كِبْرِيَاءْ
فَيَمْدَحُونَ كُلَّ مَنْ يَحْلُو بِهِمْ فَنُّ الْهِجاءْ
ويَنثُرُونَ الْوَرْدَ أَكْوَاماً عَلَى دَرْبِ الرِّيَاءْ.
في زَمَنٍ..
تَطَاوَلَ فيهِ الثَّرَى عَلَى السَّماءْ
فَأَصْبَحَ الزَّعيمُ وَالْغَنِيُّ وَالْعَميلُ أَنْبِيَاءْ
وَالْقاتِلُ الْمَغْرورُ مِنْ أَبْرارِهِ وَخَيْرِ الأَوْلِياءْ.
في زَمَنٍ..
تَخْجَلُ مِنْ أَسْمائِها الأَسْمَاءْ
أُهْدِيكِ يا حَبيبتي قَصِيدَتي "الْعَصْمَاءْ"..
ـ2ـ
أَنْتِ الَّتي أَوْدَعْتُ في عَيْنَيكِ أَسْراري
وَكَتَبْتُ فَوْقَ الصَّدرِ آيَاتِي وَأَسْفاري
أَنْتِ الَّتي أَوْصَيْتِني ونَهَيْتِني
عَنْ مَسْحِ جُوخِ الذُّلِّ وَالْعَارِ
أَوِ ابْتِيَاعِ الْحَقِّ مِنْ أَشْدَاقِ سِمْسَارِ
أَنْتِ الَّتي عَلَّمْتِني
كَيْفَ أُحَوِّلُ أَحْرُفي زَخَّاتِ أَمْطَارِ
عَسَى الأَرْضُ الَّتي مِنْ وَهْجِها نَارِي
تَغُبُّ رُضابَ ثَوْرَتِها
وَتُطْفِيءُ نارَ مِحْنَتِها
مِنَ النَّبْعِ الَّذي يَجْرِي غَزِيراً بَيْنَ أَشْعاري.
ـ3ـ
سَأُفَجِّرُ الْكَلِمَاتِ بُرْكاناً
يُزَلْزِلُ أَضْلُعَ الْمِحَنِ
إنِّي سَئِمْتُ مِنَ الرُّقادِ الْقاتِلِ في غَيْهَبِ الزَّمَنِ.
إنِّي سَئِمْتُ مِنَ الزَّعامَةِ وَالتَّشَرْذُمِ النَّتِنِ
وَمِنْ حِيَاكَةِ الأَحْدَاثِ وَالْفِتَنِ
خَوْفِي اضْمَحَلَّ.. فَمَا أَبْهَاكَ يَا كَفَنِي
أَنْتَ الْخُلُودُ لِكُلِّ حُرٍّ شَامِخٍ.. لَمْ يَنْثَنِ
أَعْطَى الدِّماءَ عَزيمَةً لِلأَرْضِ
كَيْ لا تَنْحَني.
ـ4ـ
مِنْ حُزْنِيَ الطَّويلِ، يا حبيبتِي،
أَوْجَدْتُ للدَّاءِ دَواءْ
أَلْحُزْنُ أَعْطَاني انْدِفاعاً وَصُمُوداً وَإِباءْ
عَلَّمَنِي أَنَّ الشُّعُوبَ الْحُرَّةَ لَمْ تَعْرِفِ البُكاءْ
وَلَمْ تُمَارِسِ السِّحْرَ بِسَاعَاتِ الْقُنوطِ
أَوْ تَسْتَلْهمِ السَّماءْ
عَلَّمَني أَنَّ الشُّعوبَ الْحُرَّةَ أَقْوَى مِنَ الذُّلِّ
وَمِنْ شَيَاطِينِ الْفَناءْ
وَأَنَّها كَيْ تَبْلُغَ الْمُرادَ، يا حبيبتِي،
تُفَجِّرُ الأَجْسادَ بِالأَعْداءْ
وَتَكْتُبُ فَوْقَ الثَّرَى، وَالْحِبْرُ مِنْ دِمَاءْ،
إِنَّ الْمَمَاتَ، عِنْدَها، يُشَكِّلُ ابْتِدَاءْ.
ـ5ـ
مِنْ حُزْنِيَ الطَّوِيلِ، يا حبيبتِي،
وَمِنْ نُمُوِّ الذُّكْرَيَاتِ الْعَالِقَه بِالْبَالْ
تَفَتَّقَتْ آمالْ..
كَبُرْعُمِ الأَشْجَارِ،
كَالنَّبْعِ الَّذِي يُكَوِّنُ الشَّلاَّلْ
ألحزنُ مشَّاني خطىً تقودُ للكَمالْ
صَيَّرَني الْبَيادِرَ وَالْحَقْلَ وَالْغِلالْ
صيَّرَني الدَّيمومَةَ المعدومةَ الزَّوالْ
صَيَّرَني السَّيْفَ الَّذي لا يرْحَمُ
وَالْقَوْسَ وَالنِّبالْ
صَيَّرَني الشِّهادَةَ وَالنَّصْرَ وَالأَبْطَالْ
وَزَفَّةً شَعْبِيَّةً..
وَالْعُرْسُ إِسْتِقْلالْ.
ـ6ـ
قَرَّرْتُ أَنْ أُحارِبَ الْقُبُورَ وَالأَكْفَانْ
وَأَطْعَنَ الْمَوْتَ الَّذي يَجْتَرُّنا في رِحْلَةِ الأَزْمَانْ
قَرَّرْتُ أَنْ أُجَرِّدَ الزَّعِيمَ مِنْ أَلْقَابِهِ
وَأَرْفَعَ الإِنْسانْ
إِنْسانُنا الْفَقِيرُ ، يا حبيبتِي ، يُباعُ في الدُّكَّانْ
كَسِلْعَةٍ بَسيطَةٍ زَهيدَةِ الأَثْمانْ
يُعَلِّبونَ لَحْمَهُ
ويَشْرَبونَ دَمَهُ
ويَكتُبونَ إسْمَهُ
في دفْتَرِ النِّسيانْ..
إِنْسانُنا الْفَقيرُ، يا حبيبتِي،
لَيْسَ الَّذي بِالأَمْسِ كانْ
تَمَخَّضتْ فيهِ الْحُروبْ
وتعِبَتْ منهُ الدُّروبْ
وَزَوَّدَتْ آلامَهُ الأَحْزَانْ
فَأَصْبَحَ الثَّأْرَ الَّذي يُخيفُهُمْ
وَالسَّيْلَ والبُرْكانْ.
ـ7ـ
لَنْ أَدَعَ الْحُروبَ، يا حبيبتِي ، تَقْوَى علَيّْ
فَلَقَدْ زَرَعْتُ الْحُبَّ وَالإِيمانَ في عَيْنَيّْ
وَرَسَمْتُ أَحْلامَ الطُّفُولَةِ
فَوْقَ صَدْرِي وَوَجْنَتَيّْ
ثُمَّ سَكَبْتُ مِنْ دِمائِي قَطْرَةً سِحْرِيَّةً
أَحْيَيْتُ فيها كُلَّ شَيّْ..
أَلأَرْضَ وَالْمِحْراثَ وَالْمُزارِعَ
وَكُلَّ مَنْ ماتَ بَرِيئاً كَيْ وَ..كَيْ
إنِّي سَكَبْتُ مِنْ دِمائِي قَطْرَةً سِحْرِيَّةً،
لكِنَّها بَعْدَ الْعَطاءِ الشَّامِلِ، عادَتْ إِلَيّْ!!
ـ8ـ
لَنْ أَدَعَ الْحُرُوبَ تَجْتاحُ الْمَرَاعِي وَالأَزَاهِرْ
وَتَنْشُرُ الْغَشَاوَةَ فَوْقَ الْقُلُوبِ وَالضَّمَائِرْ
وَتَسْرُقُ بَيْتَ الْوِلادَةِ مِنْ بِلادِي
كَيْ يَصِيرَ الشَّعْبَ عاقِرْ..
لَنْ أَدَعْهَا تُنْزِلُ الرَّاياتِ مِنْ أَعْلَى الْمَنائِرْ
أَوْ تَدُوسُ الْحُلْمَ في اللَّيْلِ الْمُسافِرْ
لَنْ أدَعْهَا تُرْجِعُ الإنْسَانَ أَجْيَالاً إِلى عَصْرِ الْمَغَاوِرْ..
إِنِّي وُجِدْتُ، مُذْ خُلِقْتُ،
كَيْ أَكونَ النُّورَ في عُرْسِ الدَّفَاتِرْ
إِنِّي وُجِدْتُ، مُذْ خُلِقْتُ،
كَيْ أَكُونَ الثَّائِرَ المُتَخَفِّيَ في زِيِّ شاعِرْ.
ـ9ـ
يَحْسُبونَ أنَّني أُفتِّشُ عَنْ إسْمِيَ المَخْطوطِ قُرْبَ الصُّورَةِ..
وَعَنْ دِيكُورٍ رائِعٍ،
وَعَنْ مَديحٍ عابِرٍ يُخْمِدُ نَارَ الشَّهْوَةِ..
يَعْتَقِدونَ أَنَّنِي أُمارِسُ التَّدْجيلَ
كَيْ أَحْظَى بِعَطْفِ النُّخْبَةِ..
وَكَيْ أَصِيرَ الشَّاعِرَ الْمُخْتالَ ذاتَ اليَمْنَةِ واليَسْرَةِ..
أَنا ما كَتَبْتُ الشِّعْرَ مِنْ أَجْلِ التَّشاوُفِ وَامْتِلاكِ السَّطْوَةِ..
أَنا ما كَتَبْتُ الشِّعْرَ
مِنْ أَجْلِ الْخُلُودِ الزَّائِفِ وَالشُّهْرَةِ..
فَلَقَدْ كَتَبْتُ ما كَتَبْتُ وَحَسبِيَ
أَنِّي بَصَمْتُ بَصْمَتَيْنِ في سِجِلِّ أُمِّتِي.
**